صحفيون خلف القضبان وإعلام مغلق.. روايات متناقضة تكشف واقع الحريات في أفغانستان

صحفيون خلف القضبان وإعلام مغلق.. روايات متناقضة تكشف واقع الحريات في أفغانستان
عناصر من حركة طالبان تحمل السلاح

أثارت تصريحات نائب وزارة الإعلام والثقافة في أفغانستان جدلا واسعا بعد نفيه وجود أي صحفي رهن الاعتقال في البلاد، مؤكدا أن السلطات لا تواجه مشكلات مع وسائل الإعلام، وأن الصحفيين يمارسون عملهم دون تضييق، وجاءت هذه التصريحات في وقت تتزايد فيه التقارير المحلية والدولية التي ترسم صورة مغايرة تماما، تشير إلى تصاعد القيود والاعتقالات والرقابة المشددة على العمل الصحفي.

وأفادت شبكة "أفغانستان إنترناشيونال" الثلاثاء بأن نائب وزارة الإعلام والثقافة ذكر في مقابلة مع صحيفة بروتوم ألو البنغلاديشية يوم أمس الاثنين، أن السلطات الحالية لم تقتل أي صحفي منذ عودتها إلى الحكم، وإنه لا يوجد حاليا أي صحفي محتجز في السجون، وأضاف أن الحديث عن قمع الصحافة والإعلام مبالغ فيه ويستند إلى روايات مسيسة، على حد وصفه، معتبرا أن وسائل الإعلام تعمل ضمن أطر تنظيمية طبيعية موجودة في جميع دول العالم.

غير أن بيانات موثقة صادرة عن منظمات إعلامية مستقلة ومراكز صحفية أفغانية تشير إلى أن ما لا يقل عن 5 صحفيين ما زالوا رهن الاحتجاز، إلى جانب إغلاق مؤسسات إعلامية ومنع صحفيين من ممارسة عملهم، وتضع هذه التقارير أفغانستان ضمن أسوأ دول العالم من حيث حرية الصحافة، في ظل بيئة توصف بأنها شديدة الخطورة على الإعلاميين.

خنق كامل للصحافة

وفي تقريرها السنوي الأخير، أكدت منظمة “مراسلون بلا حدود” أن الصحافة في أفغانستان تتعرض لخنق كامل نتيجة رقابة صارمة وممنهجة، وأوضحت أن أكثر من 165 من العاملين في المجال الإعلامي تعرضوا للاعتقال منذ عودة السلطات الحالية إلى الحكم، بينهم 25 صحفيا اعتقلوا خلال عام 2025 وحده، وأشار التقرير إلى أن القيود لا تقتصر على الاعتقال، بل تشمل المنع من التغطية والملاحقة والاستدعاءات الأمنية والتهديدات المستمرة.

من جهتها، وصفت منظمة “ني في المنفى” أفغانستان بأنها أخطر دولة في العالم على الصحفيين، معتبرة أنها تحولت فعليا إلى أكبر سجن مفتوح للإعلاميين، وأكدت المنظمة أن غالبية وسائل الإعلام المحلية باتت تعمل تحت ضغط شديد، بينما أُجبر عدد كبير من الصحفيين على الصمت أو مغادرة البلاد حفاظا على سلامتهم.

أرقام تناقض الرواية الرسمية

وشكك مركز الصحفيين الأفغان في صحة التصريحات الرسمية، مؤكدا أن 7 صحفيين كانوا محتجزين في سجون السلطات حتى مساء 14 ديسمبر 2024، وقال رئيس المركز أحمد قريشي إن الإفراج عن صحفيين اثنين يوم الاثنين لا يلغي حقيقة أن 5 آخرين ما زالوا رهن الاحتجاز، في تناقض واضح مع ما يقال عن خلو السجون من الصحفيين.

وأوضح المركز أن غلام محيي الدين صاحب زاده المدير المسؤول وجهادمل حبيبي مراسل قناة رسا التلفزيونية الخاصة أفرج عنهما من سجن باغرام بعد قضاء نحو 10 أشهر في الاعتقال، ورغم الإفراج عنهما، ما زالت القناة مغلقة ولم تحصل على إذن رسمي لاستئناف عملها، ما يثير تساؤلات حول جدوى الإفراج في ظل استمرار إغلاق المؤسسة الإعلامية نفسها.

صحفيون ما زالوا خلف القضبان

وأشار مركز الصحفيين الأفغان إلى أن الصحفيين مهدي أنصاري وحميد فرهادي ما زالا محتجزين منذ عدة أشهر، واعتقل أنصاري في 6 أكتوبر 2024، بينما اعتقل فرهادي في 4 سبتمبر 2024، بتهم تتعلق بالتعاون مع وسائل إعلام أفغانية تعمل خارج البلاد، وتؤكد منظمات حقوقية أن هذه التهم فضفاضة وتستخدم لتقييد أي تواصل إعلامي مستقل.

وفي دفاعه عن السياسات الإعلامية، قال نائب وزارة الثقافة إن حرية التعبير ليست مطلقة في أي دولة، مشيرا إلى أن حتى الولايات المتحدة تفرض قيودا على الإعلام، وأضاف أن وسائل الإعلام في أفغانستان يمكنها العمل بحرية شريطة الالتزام بما وصفه بالقيم الإسلامية والوطنية ووحدة أراضي البلاد، وهي معايير يرى صحفيون أنها تستخدم بشكل واسع لتقييد المحتوى ومنع التغطيات المستقلة.

اتهامات للغرب وتسييس الملف

ورفض المسؤول الأفغاني تقارير المنظمات الدولية، متهماً الدول الغربية باستخدام ملف الصحافة كأداة ضغط سياسي، واعتبر أن الانتقادات الموجهة لأوضاع الإعلام في أفغانستان تخدم أجندات خارجية ولا تعكس الواقع الحقيقي، في حين ترى منظمات مستقلة أن هذه الاتهامات تهدف إلى نزع الشرعية عن أي مراقبة دولية.

في المقابل، ترى منظمة ني في المنفى أن معظم وسائل الإعلام المحلية تعرضت لضغوط حولتها إلى منصات تروج للخطاب الرسمي، مع غياب شبه كامل للتغطيات النقدية أو المستقلة، وتشير المنظمة إلى أن الخوف من الاعتقال أو إغلاق المؤسسات يدفع الصحفيين إلى ممارسة رقابة ذاتية قاسية.

المنفى الصحفي

ومنذ عودة السلطات الحالية إلى الحكم في 15 أغسطس 2021، غادر عدد كبير من الصحفيين أفغانستان خشية الملاحقة أو السجن، ووفقا لمنظمة مراسلون بلا حدود، فإن 51 بالمئة من الصحفيين الذين تقدموا بطلبات للحصول على مساعدات طارئة خلال عام 2025 كانوا من الصحفيين الذين يعيشون في المنفى قسرا، وسجلت هذه الطلبات من 44 دولة، وتصدرت أفغانستان القائمة بـ134 طلبا، تلتها روسيا بـ48 طلبا ثم السودان بـ21 طلبا.

قناة أغلقت وصوت اختفى

وتعد قناة رسا التلفزيونية الخاصة مثالا بارزا على واقع الإعلام المغلق، فقد تأسست القناة في كابل عام 2019، وكانت تنتج تقارير اجتماعية وبرامج تركز على قضايا المواطنين اليومية، وفي 18 فبراير 2024 اعتقل جهاز الاستخبارات الصحفيين العاملين فيها وصادر أجهزة الحاسوب وأغلق المكاتب، وصدر في 23 مارس 2024 حكم بسجنهما لمدة 10 أشهر في محاكمة جرت دون حضور محام للدفاع، ووصفت بأنها غير عادلة.

مطالب بفتح الفضاء الإعلامي

وطالب مركز الصحفيين الأفغان بالسماح لقناة رسا باستئناف عملها، مؤكدا أن استمرار إغلاقها يمثل عقاباً جماعياً للإعلاميين والجمهور على حد سواء، وأضاف أن استمرار احتجاز صحفيين ونشطاء إعلاميين، مع صدور أحكام بحق بعضهم، يعكس أزمة عميقة في حرية التعبير.

شهدت أفغانستان تحولات جذرية في المشهد الإعلامي منذ أغسطس 2021، حيث تقلص عدد المؤسسات الإعلامية بشكل حاد، وغادر آلاف الصحفيين البلاد، فيما فُرضت قيود صارمة على المحتوى والتغطية، وتؤكد تقارير دولية أن البيئة الإعلامية باتت من الأكثر قمعا في العالم، مع اعتماد الرقابة المسبقة والعقوبات والسجن كأدوات أساسية للسيطرة على الخطاب العام، وبينما تنفي السلطات وجود انتهاكات، تستمر المنظمات المستقلة في توثيق حالات اعتقال وإغلاق ومنع، ما يعكس فجوة عميقة بين الرواية الرسمية وواقع الصحافة على الأرض، ويضع مستقبل الإعلام الأفغاني أمام تحديات وجودية تمس حق المجتمع في الوصول إلى المعلومة والحقيقة.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية